الخصخصة من منظر اقتصادي وسياسي |
نتعرف في هذا المقال علي الخصخصة، من حيث المفهوم والنشأة والأساليب، وكذلك التعرف علي عيوب الخصخصة .
أولا : مفهوم الخصخصة
مجموعة متكاملة من السياسات والإجراءات، التي تكفل نقل ملكية وإدارة المشاريع العامة أو المشتركة إلى القطاع الخاص، من أجل تحقيق التنمية بالاعتماد على حرية المنافسة، وتشجيع المبادرات الفردية، وتعبئة موارد القطاع الخاص، وإصلاح الجهاز الإداري للدولة، وتبسيط الإجراءات الحكومية.
اي نقل ملكية أو إدارة نشاط اقتصادي ما، اما جزئيا أو كليا إلى القطاع الخاص أي انها عكس التاميم.
للخصخصة منظورين اقتصادي وسياسي :
فمن المنظور الاقتصادي تهدف عملية الخصخصة إلى استغلال المصادر الطبيعية والبشرية بكفاءة وإنتاجية أعلى، وذلك بتحرير السوق وعدم تدخل الدولة الا في حالات الضرورة القصوى، وعبر أدوات محددة لضمان استقرار السوق والحد من تقلباته.
اما من المنظور السياسي فالتخصيص يدعو إلى اختزال دور الدولة ليقتصر على مجالات أساسية مثل الدفاع والقضاء والامن الداخلي والخدمات الاجتماعية، لذا فان التخصيص يتجاوز مفهومه الضيق المقتصر على عملية بيع أصول أو نقل ملكية ليكون بمثابة نقلة اقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة وفلسفة جديدة لدور الدولة.
ثانيا : نشأة الخصخصة
في البلاد المستعمرة سابقاً فقد اتسع نطاق تدخل الدولة في إدارة الاقتصاد الوطني خلال عقدي الستينات والسبعينات في العديد من الدول النامية بصفة عامة.
امتد واتسع تدخل حكومات تلك الدول، وزادت نسبة مشاركتها في النشاط الاقتصادي من خلال تقييد وتنظيم أنشطة القطاع الخاص بصفة عامة والأجنبي منه بصفة خاصة .
وقد نجم عن ذلك أن تضخم حجم القطاع العام، وعجز عن تحقيق ما كان مستهدفا – بعد أن كان ينظر إليه على أنه وسيلة جيدة وفعالة لتحقيق التنمية الاقتصادية – أصبح عالة عليها.
بان القطاع العام بات أكبر مما ينبغي، وان تكلفة الاحتفاظ به أصبحت مرتفعة على اقتصادها، وتطلعت حكومات تلك الدول إلى التطبيق الجاد لبرامج الإصلاح الاقتصادي في ظل معونات مالية وفنية من البنك الدولي وصندوق البنك الدولي. واتخد الإصلاح الاقتصادي مسارات واتجاهات عديدة برز منها ما عرف في الأدب الاقتصادي بالخصخصة أو التخصيص. وأصبحت الخصخصة منهجا وأسلوبا اعتمد عليه العديد من الدول النامية والمتقدمة للتخلص من الحجم الزائد للقطاع العام وتحقيق الكفاءة الاقتصادية بصفة عامة والكفاءة الإنتاجية في وحدات القطاع العام بصفة خاصة.
ثالثا : أهداف الخصخصة
١- رفع مستوى الكفاءة الاقتصادية لإدارة الأموال داخل الدولة.
٢- تخفيف العبء عن الموازنة العامة للدولة، فيما يتعلق بالدعم الذي تقدمه الدولة للشركات العامة وتعويض خسائرها، ومنها دفع أجور العاملين بها .
٣- توسيع قاعدة الملكية للأفراد، والحصول على زيادة في الإنتاج والتصدير وتحسين الجودة.
٤- توافر حصيلة لدى الدولة من بيع الوحدات العامة، تستطيع أن تواجه بها عجز الموازنة العامة.
٥- التغلب على عدم كفاءة نظم الرقابة والمحاسبة في الوحدات العامة.
٦- إلغاء سياسات التسعير الجبري، وتحديد الأسعار بناء علي آليات السوق وقوي العرض والطلب .
٧- استغلال قيمة الخصخصة في زيادة دعم الحكومية للمشاريع القومية الاستراتيجية .
رابعا : أساليب الخصخصة :
١- خصخصة عن طريق إعادة هيكلة المؤسسات .
وتكون عن طريق تحويل مؤسسة معينة من القطاع العام إلى القطاع الخاص. ومثال ذلك أن تكون للدولة خطوط طيران أو مؤسسة لتنقيب واستخراج المعادن، فخصخصة المؤسسة تكون عن طريق تحويل المؤسسة إلى شركة مساهمة عامة مملوكة للحكومة، ويتم بعد ذلك بيع أسهم الحكومة في تلك الشركة للقطاع الخاص. وبذلك تكون ملكية وإدارة المؤسسة انتقلت من القطاع العام إلى القطاع الخاص. ويتم اللجوء إلى هذا النوع من الخصخصة لعدة أسباب، منها: تفادي الترهل الإداري الذي يكون ظاهرا في المؤسسة مما يؤثر على نوع الخدمة أو السلعة التي تنتجها المؤسسة، تفادي الأعباء المادية الكبيرة التي تكون تفشت في المؤسسة نتيجة الفساد الإداري والتوظيف العشوائي والفائض عن الحاجة والذي يكون أساسه الواسطة والمحسوبية، وأخيرا عدم اكتراث القطاع العام (وافتقاره) لأسس العمل التجاري بحيث تكون المؤسسة تحقق خسائر بدلا من الأرباح. أخيرا لا بد من الإشارة أن الحكومة عادة تبقي جزء من أسهمها في الشركة المخصخصة دون أن تبيعها للقطاع الخاص، وذلك كي تضمن تدفق جزء من أرباح تلك الشركة للخزينة حال تحققها.٢- خصخصة عن طريق تنظيم القطاع
يعتمد هذا الأسلوب من الخصخصة عندما يراد خصخصة قطاع كامل كالكهرباء والاتصالات والنقل (أو حتى جزء كبير من القطاع كالنقل البري أو البحري). وتتم الخصخصة بتحرير القطاع المعني الذي كان محتكرا في السابق من قبل القطاع العام. إلا أن هذا التحرير لا يكون عشوائيا فالقطاع العام يقوم بإنشاء هيئة أو مؤسسة تنظيمية لمراقبة الأمور التنظيمية في القطاع المعني (كهيئة تنظيم قطاع الاتصالات). وتتولى هذه الهيئة كافة الأمور التنظيمية المتعلقة بالقطاع المعني كإصدار الرخص للشركات العاملة في القطاع، تحديد التعرفة، تنظيم المنافسة بين الشركات في القطاع...الخ. وبعد إنشاء هذه الهيئة يحرر القطاع أمام الشركات الخاصة بحيث يكون لها الحق بالتقدم للهيئة المعنية بطلبات ترخيص لإقامة مشاريع ضمن ذلك القطاع. ويتم اللجوء إلى هذا النوع من الخصخصة لعدة أسباب، منها: رفع نوعية، أداء، وسرعة الخدمة المعينة في القطاع المعني، وتطوير القطاع بشكل كامل. فقد تكون الحكومة غير قادرة على الاستثمار في البنية التحتية أو التكنولوجيا المطلوبة لتطوير القطاع، فتنسحب من هذا القطاع لتقوم بدور المنظم بينما تترك للشركات المختلفة مهمة التطوير. فالمنافسة بين مختلف الشركات في القطاع تقتضي رفع مستوى الخدمة عن طريق الاستثمار المباشر في البنية التحتية وموارد التكنولوجيا. وتكون أرباح الحكومة من هذا النوع من الخصخصة بشكل حصة مقتطعة من أرباح الشركات العاملة في القطاع المعني، بحيث تشتمل عادة الرخصة الممنوحة لأي شركة عاملة في القطاع على شرط يتم بموجبة اقتطاع نسبة من أرباح الشركة للحكومة.
٢- خصخصة عن طريق نقل الإدارة
يُعتمد هذا الأسلوب من الخصخصة لنفس الأسباب المنصوص عليها في الفقرة أعلاه. إلا أنه يتم تبنيه عندما يكون للحكومة مشروع كبير يحتاج لموارد مالية ضخمة لا تستطيع الحكومة توفيرها كتوسعة مطار معين أو إنشاء سكة حديد. فيتم تنفيذ هذا المشروع عن طريق إعطاء شركة خاصة (عادة بموجب عطاء) الحق ببناء وإدارة المشروع لمدة معينة (ما بين 15–30 سنة) والاحتفاظ بمعظم الموارد المالية الناتجة عند إدارة المشروع (BOT: Build، Operate Transfer). ويكون ربح الحكومة في هذا الأسلوب عبارة عن الرسم السنوي الذي تدفعه الشركة التي تدير المشروع للحكومة بالإضافة إلى أيلولة كافة التوسيعات، التحديثات، المباني والبنية التحتية إلى الحكومة بعد انقضاء عقد الإدارة. وهناك أشكال عديدة لهذا الأسلوب من التخاصية وتشمل: MOT, BOOT, BTO, BOO, BLOT، وغيرها، إلا أن هذه الأشكال ذات تطبيقات مغايرة فمنها ما لا يقوم على أساس نقل ملكية المشروع إلى الحكومة بعد فترة العقد.
خامسا : عيوب الخصخصة :
تنطوي عملية مقايضة الديون الخارجية بحقوق ملكية في المشروعات العامة على عدة مخاطر من أبرزها :
١- إن تحويل الأرباح والفوائد والدخول والتوزيعات التي يجنيها الملاك الجدد – خاصة الأجانب – الي الخارج، ستؤثر في الأجل المتوسط على زيادة العجز في ميزان المدفوعات، رغم ما يكون في الأجل القصير من تخفيض عبء الدَّين من خلال إلغاء دفع الفوائد والأقساط المستحقة عن الديون التي ستقايض بحقوق الملكية.
٢- يصبح للأجانب المستثمرين نصيب في الدخل المحلي المخفض، وهو يتضاعف مع زيادة تحويل الديون إلى حقوق ملكية، وسيظل مستمرًّا طالما بقيت المشاريع مملوكة للأجانب.
٣- إتاحة الفرصة للهيمنة الاقتصادية عبر الشركات متعددة الجنسية من خلال امتلاكها للمشروعات المحلية، ويكون ذلك غالبًا في ضوء امتيازات وضمانات سيتضرر منها البلد مثل حرية تحديد الأسعار والأجور، ونوعية التقنية المستخدمة، والإعفاءات الجمركية والضريبية، الأمر الذي يتعارض مع السياسات القومية.
٤- تحويل الدين الخارجي إلى أصول إنتاجية سيدفع البنك المركزي إلى التوسع لإصدار النقود لمواجهة طلب تحويل الدين الخارجي إلى نقد محلي، مما يسهم في زيادة التضخم وارتفاع الأسعار .
تعليقات
إرسال تعليق
يشرفني تعليقاتكم